لطالما كان القفطان وغيره من الأزياء التقليدية المحلية شاهداً حياً على غنى التراث الثقافي للجزائر وتنوعه. وفي خطوة تعزز مكانة الهوية الوطنية على الساحة العالمية، نجحت الجزائر في إدراج الزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري الكبير، بما فيه القندورة، الملحفة، والقفطان، ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية.
هذا الإنجاز الذي جاء تتويجاً لجهود حثيثة من قبل وزارة الثقافة والفنون، يؤكد على أهمية هذا الزي كرمز للهوية الجزائرية وتراثها العريق، فقد وصادقت اللجنة الحكومية الدولية لحماية التراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، “اليونسكو”، مساء الثلاثاء، على إدراج ملف الجزائر المتعلق بـ”الزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري الكبير المسمى بمعارف ومهارات متعلقة بخياطة وصناعة حلي التزين، الڤندورة والملحفة”، في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، وذلك في دورتها التاسعة عشرة المنعقدة في أسنسيون، عاصمة جمهورية باراغواي، والتي تتواصل أشغالها إلى غاية 7 ديسمبر الجاري.
يشمل هذا التراث الزي الاحتفالي النسوي التقليدي للشرق الجزائري، والذي يتضمن عناصر مثل القندورة، الملحفة، والقفطان، بالإضافة إلى مجموعة من الحلي التقليدية كالجبين، السخاب، والخلخال. هذا الإرث الثقافي المتوارث جيلًا بعد جيل يعكس براعة الحرفيين الجزائريين ودقتهم العالية في صناعة هذه الأزياء والحلي، والتي ما زالت تُبدع وتُحافظ على هذا التراث الحي حتى اليوم.
يعد إدراج هذا الملف مكسبًا جديدًا يضاف إلى قائمة التراث الثقافي الجزائري المصنف ضمن التراث العالمي، والتي تضم الآن ثمانية عناصر وطنية إلى جانب العناصر التراثية المشتركة مع دول عربية وإفريقية، وتأتي هذه الخطوة ضمن جهود وزارة الثقافة والفنون لتعزيز وحماية التراث المادي وغير المادي، باعتباره جزءًا من ذاكرة الإنسانية.
تقدمت الجزائر بهذا الملف رسميًا في أفريل 2023 بعد تحضيرات مكثفة بدأت منذ ماي 2022، بمشاركة واسعة من مديريات الثقافة والفنون، مؤسسات ثقافية ومتحفية، باحثين، وحرفيين. وتم إعداد الملف بتنسيق من المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ، ليكون جاهزًا قبل الموعد المحدد من قبل اليونسكو في 31 مارس.
كما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، عن مصادقتها على الملف العربي المشترك “الحناء: الطقوس والممارسات الاجتماعية والجماليات”، لإدراجه ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.
هذا الملف المشترك تقدمت به ستة عشرة 16 دولة عربية من بينها الجزائر، التي أبدت رغبتها في إدراج هذا العنصر التراثي والممارسة الثقافية الجزائرية ضمن لائحة التراث غير المادي للبشرية، والذي تشترك فيه مع الكثير من الدول في المنطقة العربية، حيث ارتبطت الحناء بالمرأة الجزائرية والعربية عبر العصور، واستُخدمت في المناسبات الاجتماعية كالأعياد وحفلات الزفاف وغيرها.
جاء هذا التصنيف تتويجاً لعمل الخبراء الجزائريين والعرب، الذين أعدو ملفا علميا ودقيقا، واستغرق التحضيرات أكثر من عام ونصف، حيث تقدمت كل دولة بالأسباب التي دعت إلى رغبتها المشاركة في هذا الملف، موضحين أساليب وطرق استخدام الحناء، والمناسبات التي تتطلب استعمالها وتجعل ممارستها أمراً ضرورياً، والمعاني التي تنسب إليها من طرف مختلف المجتمعات، والأسرار التي تحملها، إلى جانب استخدامها في التجميل والتزيين، واستعمالها لأغراض طبية وخاصة في علاج بعض الأمراض.
على الرغم من محاولات التشكيك في أصول بعض الأزياء التقليدية كالقفطان، فإن الجزائر نجحت في تعزيز مكانة هذا التراث وإثبات جذوره التاريخية. كما تعمل الجزائر على تسجيل المزيد من العناصر الثقافية، بما في ذلك “جبة الفرقاني” وطبوع موسيقية وطنية، ضمن قوائم اليونسكو في المستقبل.
وعبر وزير الثقافة والفنون، زهير بللو، بهذه المناسبة، عن عميق امتنانه للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي لتسجيلها للملف الجزائري، كما أعرب عن شكره وامتنانه أيضا لهيئة التقييم على “جودة تقييمها العلمي والدقيق”، وكذلك إلى أمانة الاتفاقية على عملها “الاحترافي الرائع الذي يجعل من هذه الاتفاقية مثالا حقيقيا في المشهد العالمي للحفاظ على التراث الثقافي وتعزيزه”.
وأكد الوزير أن هذا الملف هو “مثال على ماهية التراث الحي”، مشيرا إلى “صناعة اللباس النسوي في الشرق الجزائري الكبير وكذلك الزينة المرتبطة به وطريقة ارتدائه خلال الاحتفالات التي تنظم في المناسبات المختلفة والتي تمارس بصفة جماعية في جو من الفرح والبهجة، وتتقاسمه الأجيال عبر الزمن”.
ويضاف هذا الملف إلى عناصر تراثية أخرى مشتركة مع دول عربية وإفريقية مدرجة بدورها ضمن التراث الثقافي غير المادي لليونسكو، وذلك “تعميقا لبعد الجزائر التراثي العربي الإفريقي”، وهي تتعلق بـ: ملف “الممارسات والمهارات والمعرفة المرتبطة بمجموعات إمزاد عند الطوارق” (2013)، وملف “المهارات والخبرة والممارسات المتعلقة بإنتاج واستهلاك الكسكس” (2020)، وملف “النقش على المعادن” (2023)، وكذا ملف “الخط العربي” (2021).
يُظهر هذا الإنجاز أهمية الثقافة والتراث كعناصر أساسية تعزز الهوية الوطنية وتمثل إرثًا إنسانيًا مشتركًا، حيث تسعى الجزائر بكل جدية للحفاظ عليه ونقله للأجيال القادمة. وفي المقابل، يسعى المغرب بشكل مستمر للسطو على التراث الثقافي الجزائري، إذ تحاول بعض الأطراف استغلال التراث المادي وغير المادي للجزائر لتحقيق مكاسب زائفة.
من أبرز محاولات السطو المغربي على التراث الجزائري هي محاولات نسب أزياء وأطباق وموسيقى جزائرية إليه. فعلى الرغم من الجذور التاريخية العميقة لهذه العناصر في الثقافة الجزائرية، سعى المغرب إلى نسب القفطان التقليدي الجزائري إلى ثقافته، مما دفع الجزائر إلى تسجيل “الزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري” ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو. كما حاول المغرب نسب أطباق تقليدية مثل “الكسكس” و”الشخشوخة” إلى مطبخه التقليدي، رغم الفوارق الواضحة في طرق التحضير والأنماط الثقافية المحيطة بكل منهما.

لا تقتصر محاولات السطو هذه، على الاستيلاء على عناصر ثقافية فحسب، بل تحمل أبعادًا أعمق، تتمثل في السعي إلى اكتساب شرعية ثقافية. فالمغرب يحاول تعزيز صورته كوجهة ثقافية غنية ومتنوعة من خلال تبني عناصر تراثية من دول مجاورة. وتغفل بعض هذه المحاولات السياقات التاريخية والجغرافية التي تربط هذه العناصر الثقافية بالجزائر، مما يشكل تحديًا حقيقيًا في الحفاظ على الهوية الثقافية الوطنية. وفي هذا الإطار، تظل حماية التراث مسؤولية وطنية تستدعي تضافر جهود المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني، بالإضافة إلى كل فرد يعتز بجذوره الثقافية، لضمان بقاء هذا التراث شاهدًا حيًا على أصالة وتاريخ الجزائر.