الشمس والرياح.. قوة الجزائر نحو الطاقة النظيفة
يشهد العالم اليوم تحولًا جذريًا نحو الطاقة النظيفة والمتجددة، مدفوعًا بالأزمات البيئية المتزايدة والتغيرات المناخية المقلقة التي تهدد كوكب الأرض. هذا التوجه يعكس إدراكًا عالميًا بأهمية التحول إلى بدائل مستدامة للطاقة التقليدية الملوثة والمحدودة، لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة من جهة، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري من جهة أخرى. في هذا السياق، تبرز الجزائر دولة تتمتع بإمكانات هائلة تؤهلها لتكون في طليعة هذا التحول وترسيخ مكانتها لتكون مركزا إقليميا للطاقة النظيفة.
في العقود الأخيرة، شهد العالم تحولًا غير مسبوق نحو استخدام الطاقات المتجددة والطاقة النظيفة، وهو تحول فرضته الحاجة الماسة لمواجهة التغيرات المناخية المتسارعة والانبعاثات الضارة الناتجة عن استهلاك الوقود الأحفوري. وأصبح التوجه نحو الطاقات المتجددة أمرًا حتميًا لحماية البيئة من جهة، ولضمان استمرارية تلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة مع تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية المهددة بالنفاد من جهة أخرى.
بحسب تقارير صادرة عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، تُظهر البيانات أن الطاقة المتجددة أصبحت تشكل 28% من إجمالي الاستهلاك العالمي للطاقة في 2023، مع توقعات بزيادة هذه النسبة إلى أكثر من 50% بحلول 2050. الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تقودان هذا التحول، بفضل الابتكارات التكنولوجية التي قللت تكاليف الإنتاج بشكل كبير.
كما أن العديد من الدول الصناعية الكبرى أعلنت خططًا طموحة لتحقيق الحياد الكربوني خلال العقود القادمة، مثل الاتحاد الأوروبي الذي يستهدف تقليل انبعاثات الكربون بنسبة 55% بحلول 2030 وتحقيق الحياد الكامل بحلول 2050. أما الصين، فقد أظهرت قوتها في السيطرة على سوق الطاقات المتجددة، بإنتاج 80% من الأجهزة والمحطات الشمسية والريحية عالميًا.
هذا التحول لم يعد خيارًا ولكنه ضرورة، وهو يفتح الباب أمام الدول ذات الموارد الطبيعية الغنية والموقع الجغرافي المميز – مثل الجزائر – لتكون جزءًا من هذا المستقبل الواعد. ولأن العالم يتغير بوتيرة سريعة، فانه من يستطيع استغلال هذا التحول هو من سيحقق الريادة في الاقتصاد المستدام ويضمن مستقبله الطاقوي.
فرص فريدة لريادة الطاقة النظيفة
تمتلك الجزائر مجموعة من المزايا الطبيعية والاستراتيجية التي تجعلها مرشحة بقوة لتصبح مركزًا إقليميًا للطاقة النظيفة. بداية، تتميز الجزائر بموقعها الجغرافي الفريد ضمن “الحزام الشمسي العالمي”، ما يمنحها واحدًا من أعلى معدلات الإشعاع الشمسي في العالم. تُقدر ساعات الإشعاع الشمسي السنوية في بعض المناطق، مثل تمنراست، بحوالي 3900 ساعة، بينما تتراوح بين 2500 و3000 ساعة في مناطق أخرى. هذا يجعل الطاقة الشمسية أحد الموارد الطبيعية الأكثر توفرًا واستدامة في البلاد.
إلى جانب الشمس، تمتلك الجزائر إمكانيات هائلة في طاقة الرياح، خاصة في مناطق الجنوب الكبير والهضاب العليا. حيث تشير دراسات مركز تنمية الطاقات المتجددة إلى أن سرعات الرياح في هذه المناطق تجعلها مثالية لإنشاء مزارع الرياح لإنتاج الكهرباء. علاوة على ذلك، تعتبر الجزائر غنية بطاقة الكتلة الحيوية الناتجة عن النشاط الزراعي، بالإضافة إلى الطاقة الحرارية الجوفية المتوفرة في شمال البلاد والهضاب العليا.
من الناحية الجيوسياسية، الجزائر قريبة من الأسواق الأوروبية التي تعد من أكبر مستهلكي الطاقة النظيفة في العالم. ومع التوجه الأوروبي لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، خاصة بعد الأزمات الطاقوية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية، يمكن للجزائر أن تلعب دورًا محوريًا في تزويد أوروبا بالطاقة النظيفة، سواء عبر الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية أو عبر تصدير الهيدروجين الأخضر.
إضافة إلى الموارد الطبيعية، تتمتع الجزائر بمساحات شاسعة تصلح لإنشاء محطات ضخمة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مع إمكانية تطوير البنية التحتية لدعم هذه المشاريع. كما تتوافر أيضًا المواد الأولية اللازمة لتصنيع مكونات الطاقة الشمسية مثل الكوارتز والمواد المعدنية الأخرى، ما يتيح للجزائر فرصة بناء صناعة محلية متكاملة في هذا المجال.
علاوة على ذلك، يضع قانون الاستثمار الجديد إطارًا مشجعًا لجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية في قطاع الطاقات المتجددة، مع ضمانات وتسهيلات تجعل الاستثمار في هذا القطاع أكثر جاذبية.
كل هذه العوامل تجعل الجزائر في موقع استراتيجي لتصبح مركزًا إقليميًا للطاقة النظيفة. ومع التخطيط الاستراتيجي والإدارة الفعالة للموارد، يمكن أن تتحول الإمكانيات الهائلة إلى واقع ملموس يعزز من دور الجزائر في تحقيق التحول الطاقوي على المستويين الإقليمي والدولي.
الطاقات المتجددة.. خيار الجزائر لمستقبل ما بعد المحروقات
لطالما اعتمدت الجزائر بشكل كبير على المحروقات مصدرا رئيسا للإيرادات الوطنية والعملات الصعبة، حيث يشكل النفط والغاز أكثر من 90% من صادرات البلاد. ومع ذلك، فإن هذا الاعتماد المفرط على الموارد الأحفورية يواجه تحديات عدة، بما في ذلك التقلبات الحادة في أسعار النفط العالمية، التراجع المتوقع في احتياطيات الغاز والبترول، وضغوط التغيرات المناخية العالمية التي تدعو إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
في هذا السياق، تقدم الطاقات المتجددة خيارًا استراتيجيًا لتقليل الاعتماد على المحروقات وضمان استدامة الاقتصاد الجزائري. حيث يمكن للطاقة الشمسية، طاقة الرياح، والهيدروجين الأخضر أن تكون بديلاً مستدامًا يساهم في تنويع مصادر الدخل الوطني وتقليل الانبعاثات الكربونية. وفي هذا الصدد، تشير التقديرات إلى أن التحول الجزئي للطاقة النظيفة يمكن أن يوفر للجزائر كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المستخدم حاليًا في إنتاج الكهرباء، ما يسمح بتصديره لتحقيق إيرادات إضافية.
كما أن الطاقات المتجددة هي فرصة لتحسين الأمن الطاقوي الوطني. ومع تزايد الطلب المحلي على الطاقة بسبب النمو السكاني والصناعي، يمكن للطاقة النظيفة أن تلبي الاحتياجات الداخلية المتزايدة دون التأثير على قدرة البلاد على التصدير. على سبيل المثال، مشروع إنتاج 15,000 ميغاواط من الكهرباء بالطاقة الشمسية بحلول عام 2035 يعكس هذا الطموح في تقليل الاعتماد على الغاز والبترول لتوليد الكهرباء.
علاوة على ذلك، يعتبر الاستثمار في الطاقات المتجددة خيارًا مستدامًا للأجيال القادمة. فبدلاً من استنزاف الموارد الطبيعية غير المتجددة، يمكن للجزائر استغلال إمكانياتها الهائلة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لبناء مستقبل طاقوي مستدام. وهو التوجه الذي من شأنه أن يعزز من مكانة الجزائر لتكون دولة مسؤولة بيئيًا ويزيد من جاذبيتها لتصبح مركزا للاستثمارات الدولية في هذا المجال.
التوجه نحو الطاقات المتجددة يعكس أيضًا الرؤية الاستراتيجية للحكومة الجزائرية لتقليل الاعتماد على الاقتصاد الريعي. ففي إطار رؤية الجزائر 2030، تسعى الدولة إلى تحويل الطاقات المتجددة إلى أداة تنموية تساهم في خلق فرص عمل جديدة، تعزيز الصناعة المحلية، وتطوير البحث العلمي والابتكار. هذه الخطوات تهدف إلى تحسين الاقتصاد الوطني، وتحقيق نقلة نوعية في مكانة الجزائر ضمن الأسواق الإقليمية والدولية للطاقة النظيفة.
خطوات الجزائر نحو التحول الطاقوي
الجزائر، مدفوعة بإدراكها العميق للتحديات البيئية والاقتصادية العالمية، بدأت في اتخاذ خطوات ملموسة لتحقيق هدفها في أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة النظيفة. هذه التحركات جاءت ضمن رؤية استراتيجية تهدف إلى استغلال الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها البلاد في مجال الطاقات المتجددة، ووضع الجزائر في مصاف الدول الرائدة في هذا المجال.
الاستراتيجية الوطنية للطاقة المتجددة كانت نقطة البداية، حيث أعلنت الجزائر في عام 2011 خطتها الطموحة لتطوير القطاع، بهدف إنتاج 15,000 ميغاواط من الكهرباء من الطاقة الشمسية بحلول عام 2035. يتضمن هذا البرنامج بناء محطات ضخمة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح في المناطق الجنوبية والهضاب العليا، وهي مناطق تمتلك أعلى معدلات الإشعاع الشمسي في العالم. هذه الخطوات هدفها زيادة حصة الطاقة النظيفة في المزيج الطاقوي الوطني، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري الذي يشكل مصدرا رئيسا للطاقة.
ولضمان نجاحها، ركزت الجزائر على تعزيز الإطار القانوني والتنظيمي الذي يدعم الاستثمار في الطاقة النظيفة. فقد أصدرت قوانين جديدة مثل قانون الاستثمار الذي يوفر تحفيزات وإعفاءات ضريبية لجذب رؤوس الأموال المحلية والدولية. كما تم تنظيم سوق الطاقة النظيفة بما يتيح للأفراد والشركات إنتاج وبيع الكهرباء المنتجة من مصادر متجددة، وهو ما يفتح المجال لزيادة مشاركة القطاع الخاص.
وفي إطار تنفيذ هذه الاستراتيجية، شرعت الجزائر في إنشاء مشاريع كبرى للطاقة الشمسية، مثل المحطات الكهروضوئية في النعامة وأدرار، التي توفر الكهرباء للمناطق النائية، وتعزز من استقرار الشبكة الكهربائية الوطنية. إضافة إلى ذلك، ركزت البلاد على تجهيز القرى والمدارس والمرافق العامة بمنظومات طاقة شمسية، ما يُعد خطوة كبيرة نحو تحقيق العدالة الطاقوية والتنمية المستدامة.
الهيدروجين الأخضر يمثل أحد المحاور الرئيسية لهذه الاستراتيجية، حيث تسعى الجزائر بالتعاون مع شركاء دوليين مثل ألمانيا وإيطاليا إلى تطوير مشاريع مبتكرة لدمج الهيدروجين الأخضر مع الغاز الطبيعي وتصديره عبر الأنابيب إلى أوروبا. هذا النهج يضع الجزائر في موقع استراتيجي يجعل منها موردا رئيسا للطاقة النظيفة في المستقبل، خاصة مع تزايد الطلب العالمي على مصادر الطاقة المستدامة.
التعاون الدولي والإقليمي يلعب أيضًا دورًا محوريًا في هذه الرؤية، حيث عززت الجزائر شراكاتها مع منظمات دولية مثل الوكالة الدولية للطاقة المتجددة “إيرينا” ودول إفريقية لتبادل التكنولوجيا والخبرات. هذه الشراكات ساهمت في تطوير القدرات الوطنية، ومن شأنها أن تعزز أيضًا من دور الجزائر الإقليمي الداعم للتحول الطاقوي في القارة الإفريقية.
في هذا السياق، لم تغفل الجزائر أهمية البحث العلمي والتطوير، حيث أنشأت مراكز بحثية مثل مركز تنمية الطاقات المتجددة الذي يعمل على إيجاد حلول مبتكرة للتحديات التقنية في هذا القطاع. كما أطلقت الحكومة برامج لدعم الباحثين والشباب لتطوير تقنيات جديدة تُحسن من كفاءة استخدام الموارد المتجددة وتُعزز من استقلالية البلاد في هذا المجال.
كما أن تحديث البنية التحتية كان ولا يزال جزءًا حيويًا من هذه الخطة، حيث تعمل الجزائر على تطوير شبكة الكهرباء الوطنية لتكون قادرة على استيعاب الطاقة المنتجة من المصادر المتجددة. بالإضافة إلى ذلك، يجري العمل على إنشاء شبكات تخزين ونقل الطاقة لضمان توزيع فعال ومستدام للطاقة النظيفة داخل البلاد وخارجها.
تعزيز مشاركة القطاع الخاص كان خطوة مهمة أخرى، حيث تشجع الجزائر الشركات الوطنية والدولية على الاستثمار في هذا القطاع الواعد من خلال تقديم حوافز ضريبية ودعم مالي. وذلك بغية توسيع قاعدة الإنتاج وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
مشاريع كبرى.. الجزائر تخطو بثبات نحو الطاقة النظيفة
الجزائر تسعى بكل جدية إلى تعزيز مكانتها مركزا إقليميا للطاقة النظيفة من خلال تنفيذ مجموعة من المشاريع الكبرى التي تعكس طموحها ورؤيتها الاستراتيجية للتحول الطاقوي. هذه المشاريع الطموحة تأتي جزءا من خطة شاملة تستهدف استغلال الإمكانات الهائلة التي تزخر بها البلاد، خاصةً فيما يتعلق بالطاقة الشمسية، طاقة الرياح، والهيدروجين الأخضر، وهي موارد تجعل من الجزائر لاعبًا محوريًا في هذا المجال.
برنامج الطاقة الشمسية الكهروضوئية الذي يهدف إلى إنتاج 15,000 ميغاواط من الكهرباء بحلول عام 2035 يُعدّ واحدًا من أكبر مشاريع الطاقات المتجددة في الجزائر. هذا المشروع يرتكز على بناء محطات شمسية كبرى في المناطق الجنوبية مثل: أدرار وتمنراست، إضافة إلى الهضاب العليا. المرحلة الأولى من المشروع قد أنجزت بالفعل بطاقة تصل إلى 3000 ميغاواط، مع وجود خطط للتوسع لتلبية الاحتياجات المحلية والدولية المتزايدة للطاقة.
إلى جانب الطاقة الشمسية، تركز الجزائر أيضًا على تطوير الهيدروجين الأخضر فهو جزء من استراتيجيتها المستقبلية. بالتعاون مع دول أوروبية مثل ألمانيا وإيطاليا، تسعى البلاد إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر ودمجه مع الغاز الطبيعي لاستخدامه محليًا وتصديره إلى أوروبا. هذا المشروع يُعدّ خطوة مبتكرة نحو تعزيز مكانة الجزائر بصفتها موردا موثوقا للطاقة النظيفة، مع توقعات بتصدير 4 ملايين طن سنويًا بحلول عام 2030.
وفي إطار جهودها لدعم التنمية المستدامة، قامت الجزائر بتطوير مشاريع لتزويد المناطق النائية بالطاقة الشمسية. هذا المشروع يهدف إلى تحسين مستوى المعيشة في القرى النائية، حيث تم تزويد المدارس والمراكز الصحية والمرافق العامة بمنظومات شمسية تسهم في تحسين جودة الحياة والحد من الهجرة إلى المدن. كما تضمنت هذه الجهود إطلاق مشاريع طاقة الرياح في الجنوب الكبير والهضاب العليا، مما يعزز من تنويع مصادر الطاقة المتجددة.
لتنفيذ هذه المشاريع، تعمل الجزائر على تطوير بنيتها التحتية من خلال إنشاء مراكز تخزين للطاقة وتحسين شبكة الكهرباء الوطنية لتكون قادرة على استيعاب الطاقة المنتجة من المصادر المتجددة. كما تبذل جهودًا لتحسين جودة الألواح الشمسية المصنعة محليًا وضمان كفاءتها من خلال مراقبتها في مختبرات متخصصة.
إلى جانب ذلك، تركز الجزائر على بناء قاعدة صناعية تدعم الطاقات المتجددة من خلال إنشاء مصانع لإنتاج الألواح الشمسية والبطاريات والمحولات. هذا التوجه يقلل من اعتماد البلاد على الاستيراد ويعزز من قدراتها الإنتاجية المحلية، مما يُسهم في تحقيق أهداف التحول الطاقوي.
الشراكات الدولية والإقليمية تشكل عنصرًا أساسيًا في استراتيجية الجزائر، حيث تعمل على تعزيز التعاون مع دول أخرى لتطوير مشاريع مشتركة، مثل تصدير الكهرباء إلى أوروبا وتبادل التكنولوجيا والخبرات. هذه الجهود تُظهر التزام الجزائر ليس فقط بتحقيق الاكتفاء الذاتي، بل أيضًا بلعب دور محوري في تأمين الطاقة النظيفة للعالم.
المشاريع الكبرى في قطاع الطاقة النظيفة تعكس رؤية الجزائر الطموحة لتحقيق تحول شامل ومستدام. هذه المشاريع تُسهم في تعزيز مكانة الجزائر فهي قوة إقليمية ودولية في مجال الطاقة النظيفة، مما يدعم رؤيتها المستقبلية ويضعها في طليعة الدول الرائدة في هذا المجال.
كيف تجذب الجزائر الاستثمارات في قطاع الطاقة النظيفة؟
الاستثمار يُعد المحرك الأساسي لتحقيق التحول نحو الطاقة النظيفة، والجزائر تسعى بجدية لاستقطاب رؤوس الأموال المحلية والدولية بهدف تعزيز نمو قطاع الطاقات المتجددة. هذا الالتزام يظهر جليًا في السياسات والتشريعات التي وضعتها الحكومة لتوفير بيئة استثمارية جاذبة، ما يُسهم في تحقيق أهدافها الطموحة بأن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة النظيفة.
في إطار هذه الجهود، أصدرت الجزائر قانون الاستثمار الجديد، الذي يمثل نقلة نوعية في تحسين مناخ الأعمال في البلاد. هذا القانون يقدم مزايا متعددة تشمل الإعفاءات الضريبية، تسهيلات إدارية، وضمانات قانونية طويلة الأمد، وهو ما يجعل البلاد أكثر جاذبية للشركات الكبرى والمتوسطة في مجالات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر. بالإضافة إلى الإصلاحات القانونية، بدأت الجزائر في تعزيز الشراكات مع الشركات العالمية الرائدة. توقيع اتفاقيات تعاون مع مؤسسات ألمانية وإيطالية لتطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر ومع شركات صينية لإنتاج الألواح الشمسية ومكوناتها محليًا، يعكس رغبة الحكومة في نقل التكنولوجيا المتطورة إلى الداخل وتطوير الكفاءات الوطنية.
على الصعيد المحلي، تُولي الجزائر أهمية كبيرة لتعزيز دور المستثمرين المحليين في مشاريع الطاقة النظيفة. فالدولة تقدم دعمًا ماليًا جزئيًا للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى توفير التدريب والدعم التقني للشركات الناشئة. هذه الجهود تعزز من مشاركة القطاع الخاص في تحقيق الأهداف الوطنية وتدعم الابتكار المحلي.
إدراك الجزائر لأهمية البحث والتطوير في هذا المجال دفعها إلى تمويل مراكز الأبحاث والجامعات للقيام بدراسات متقدمة في تقنيات الطاقة النظيفة. الحكومة أيضًا أنشأت حاضنات أعمال لتحويل الأفكار الابتكارية إلى مشاريع تجارية قابلة للتنفيذ، وهو ما يعكس التزامها بتعزيز الابتكار المحلي. على المستوى الإقليمي، تسعى الجزائر إلى تعزيز حضورها في الأسواق الأفريقية من خلال تصدير التكنولوجيا وتقديم الدعم الفني للدول المجاورة.
ولتشجيع المزيد من الاستثمارات، قدمت الجزائر حوافز جذابة تشمل الإعفاءات الضريبية وتخفيض تكلفة الأراضي الصناعية، إلى جانب توفير الطاقة اللازمة للمشاريع بأسعار تنافسية. الحكومة تضمن أيضًا عقودًا طويلة الأمد مع المستثمرين، مما يعزز الثقة ويُشجع الشركات العالمية على الدخول في السوق الجزائرية.
تحديات الجزائر في سباق الطاقات المتجددة
رغم الإمكانيات الهائلة التي تمتلكها الجزائر في مجال الطاقات المتجددة، إلا أنها تواجه مجموعة من التحديات التي تُعيق تحقيق طموحها في أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة النظيفة. من بين هذه التحديات، يبرز غياب إطار تشريعي وتنظيمي قوي قادر على تنظيم سوق الطاقة النظيفة بشكل واضح وفعال. القطاع بحاجة إلى قوانين تضمن استقرار الاستثمارات وتشجع على مشاركة القطاع الخاص في إنتاج وبيع الكهرباء النظيفة. هذا النقص في التنظيم يخلق حالة من عدم اليقين لدى المستثمرين ويبطئ من وتيرة التنمية في هذا المجال.
التمويل يُعد تحديًا رئيسيًا آخر، حيث تتطلب الطاقات المتجددة استثمارات رأسمالية ضخمة سواء لتطوير البنية التحتية أو لشراء التكنولوجيا المتقدمة. رغم أن الجزائر خصصت ميزانيات مهمة لهذا القطاع، إلا أن تمويل المشاريع الكبرى يظل عقبة بسبب اعتماد الدولة بشكل أساسي على التمويل الذاتي وغياب الدعم الكافي من المؤسسات الدولية. كما أن البنية التحتية، وخاصة شبكة الكهرباء الوطنية، تُعاني من عدم القدرة على استيعاب الطاقة المنتجة من المصادر المتجددة. تحسين هذه الشبكة يتطلب استثمارات كبيرة لتطوير خطوط النقل والتوزيع، خصوصًا في المناطق النائية التي تُعد محورية لتوسيع نطاق المشاريع الطاقوية.
على الجانب التقني، تواجه الجزائر تحديات تتعلق بارتفاع تكلفة التكنولوجيا المستخدمة في مشاريع الطاقة المتجددة. ورغم انخفاض أسعار تقنيات الطاقة الشمسية عالميًا، إلا أن تكلفة شراء وتركيب هذه التقنيات لا تزال مرتفعة محليًا مقارنة بالطاقات التقليدية. هذا الوضع يحد من تنافسية المشاريع ويُبطئ من عملية الانتقال نحو الطاقة النظيفة. إلى جانب ذلك، يفتقر قطاع الطاقات المتجددة في الجزائر إلى عدد كافٍ من الكوادر المؤهلة والمتخصصة، ما يستدعي تعزيز برامج التدريب والتعليم وتوفير فرص تعليمية في هذا المجال لضمان توفر الخبرات اللازمة.
الظروف المناخية في الجزائر تُضيف بُعدًا آخر من التحديات. ارتفاع درجات الحرارة، العواصف الرملية، والغبار في المناطق الصحراوية يُؤثر بشكل مباشر على أداء الألواح الشمسية والمعدات المرتبطة بها، ما يتطلب تقنيات متقدمة للتعامل مع هذه الظروف. كما أن المنافسة الإقليمية تُشكل ضغطًا إضافيًا على الجزائر، حيث قطعت دول عدة أشواطًا كبيرة في تطوير قطاع الطاقات المتجددة وأصبحت منافسًا قويًا في جذب الاستثمارات.
الجانب الإداري يُعد جزءًا لا يُستهان به من هذه التحديات، حيث تعاني العملية الإدارية لتنفيذ المشاريع من البيروقراطية وتعقيد الإجراءات، مما يؤدي إلى تأخير الإنجاز وغياب التنسيق بين الجهات المسؤولة. هذا الخلل يزيد من صعوبة تحقيق الأهداف الطاقوية للجزائر. كما أن نقص الوعي الاجتماعي بأهمية الطاقات المتجددة وفوائدها الاقتصادية والبيئية يُعيق نجاح المبادرات الصغيرة والمجتمعية، ويضعف من الدعم الشعبي للمشاريع الكبرى.
التبعية الكبيرة للوقود الأحفوري تُشكل عائقًا نفسيًا واقتصاديًا أمام التحول نحو الطاقات المتجددة، حيث لا تزال الطاقة التقليدية تُعتبر أكثر أمانًا وربحية على المدى القصير. بالإضافة إلى ذلك، التكاليف البيئية المرتبطة بعمليات التعدين الضرورية لتصنيع مكونات الطاقات المتجددة تُثير تساؤلات حول الاستدامة، خاصة مع استخراج معادن نادرة مثل الليثيوم والسيليكون. المسافة الجغرافية بين مناطق الإنتاج في الجنوب الكبير ومناطق الاستهلاك الرئيسية في الشمال تُضيف تحديًا آخر، حيث تحتاج البلاد إلى حلول مبتكرة لنقل الطاقة بكفاءة وفعالية.
محرك للتنمية الاجتماعية والاقتصادية
التحول نحو الطاقات النظيفة في الجزائر يمتد ليشكل أساسًا لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة. هذا التوجه يمثل فرصة فريدة لتحسين حياة المواطنين وتعزيز الاقتصاد الوطني، مما يجعل الاستثمار في الطاقات المتجددة مشروعًا استراتيجيًا يحمل العديد من الفوائد الملموسة.
من أبرز الآثار الاجتماعية والاقتصادية للتحول الطاقوي في الجزائر هو خلق فرص العمل. مشاريع الطاقة النظيفة، سواء في مراحل التخطيط أو البناء أو التشغيل، تُعتبر من أكبر مولدي الوظائف. آلاف الفرص تُفتح للمهندسين، التقنيين، والعمال المحليين، خاصة مع التوسع في مشروعات مثل برنامج 15,000 ميغاواط للطاقة الشمسية. هذه الوظائف تُسهم في تقليل معدلات البطالة وتوفير خبرات تقنية متقدمة، مما يُعزز من القدرات البشرية المحلية.
تحسين مستوى المعيشة يُعد أحد النتائج المباشرة لهذا التحول. من خلال تزويد المناطق النائية بالكهرباء المستمدة من الطاقات النظيفة، تتحسن الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، حيث يتم تشغيل المدارس والمراكز الصحية بكفاءة أكبر. هذا التحسين يُسهم في تعزيز رفاهية المواطنين ويقلل من الهجرة نحو المدن الكبرى. على المستوى الاقتصادي، يساعد التحول نحو الطاقات النظيفة في تنويع مصادر الدخل الوطني، حيث تسعى الجزائر لتقليل اعتمادها على النفط والغاز كونهما مصدران رئيسان للإيرادات. تصدير الكهرباء المنتجة من الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر إلى أوروبا وإفريقيا يُعد خطوة استراتيجية لتأمين إيرادات مستقرة وتنويع الاقتصاد الوطني.
على صعيد الأمن الطاقوي، يتيح الاعتماد على الطاقات المتجددة تقليل استنزاف موارد النفط والغاز، مما يُسهم في الحفاظ على هذه الموارد للأجيال القادمة. كما يعزز هذا التوجه استقلالية الجزائر في مجال الطاقة، ويقلل من اعتمادها على استيراد التكنولوجيا أو المصادر الطاقوية الأخرى. التحسين البيئي الذي يأتي مع التحول إلى الطاقات النظيفة يُحدث أثرًا إيجابيًا مباشرًا على صحة المواطنين، حيث تُقلل الانبعاثات الكربونية من التلوث البيئي، مما يؤدي إلى تقليل الأمراض المرتبطة به وتخفيض تكاليف العلاج.
من جهة أخرى، يُعد التحول الطاقوي محفزًا للابتكار التكنولوجي. فالاستثمار في البحث العلمي يُوفر بيئة مثالية لتطوير تقنيات محلية تُقلل التكاليف وتُزيد الكفاءة، مما يجعل الجزائر رائدة في هذا المجال. مراكز الأبحاث، مثل مركز تنمية الطاقات المتجددة، تلعب دورًا حيويًا في تعزيز الابتكار ودعم الشباب لتطوير حلول تقنية جديدة تُفيد الاقتصاد والمجتمع. دعم التنمية المستدامة يُعد هدفًا أساسيًا لهذا التحول، حيث تضمن الطاقات النظيفة تلبية احتياجات الطاقة دون التأثير السلبي على البيئة، مما يتماشى مع رؤية الجزائر 2030 وأهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة.
التكامل الإقليمي هو نتيجة طبيعية لهذا التوجه، حيث يُسهم تصدير الطاقة النظيفة إلى دول الجوار في تعزيز التعاون الاقتصادي وتوطيد العلاقات الإقليمية. هذا التعاون يُعزز البنية الاقتصادية للمنطقة بأسرها، ويُسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية المشتركة.
أما على الساحة الدولية، يضع التزام الجزائر بالطاقات النظيفة الدولة في مصاف الدول المسؤولة بيئيًا، مما يُعزز صورتها الإيجابية ويجذب الاستثمارات والشراكات الدولية. هذا الالتزام يجعل الجزائر لاعبًا رئيسيًا في الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي.
الطاقات النظيفة ليست مجرد خيار بيئي، بل هي أداة شاملة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. إذا استمرت الجزائر في الاستثمار بهذا القطاع وتوسيع مشروعاته، فإن الأثر الإيجابي سيمتد ليشمل تحسين حياة المواطنين، تعزيز الاقتصاد الوطني، وترسيخ مكانة الجزائر كونها قوة إقليمية في مجال الطاقة النظيفة.
ومع التوجه العالمي المتزايد نحو الطاقات المتجددة، والتزام الجزائر بتحقيق التحول الطاقوي، يبدو مستقبل قطاع الطاقة النظيفة في البلاد واعدًا بشكل كبير. تعتمد الجزائر على خطط استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تحويل البلاد إلى مركز إقليمي للطاقة النظيفة، مستفيدة من إمكانياتها الطبيعية، موقعها الجغرافي المميز، ودورها الإقليمي والدولي.
فمن خلال الخطط والمشاريع الطموحة التي تتبناها الجزائر، من إنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية إلى تطوير الهيدروجين الأخضر وتعزيز التعاون مع الشركاء الدوليين، تبدو البلاد في طريقها لتكون نموذجًا إقليميًا ودوليًا في قطاع الطاقات المتجددة. ومع ذلك، لا تخلو هذه الرحلة من التحديات التي تتطلب جهودًا منسقة ومستمرة لمواجهتها. وإذا استمرت الجزائر في تنفيذ رؤيتها الطموحة، فإنها ستكون مركزًا إقليميًا للطاقة النظيفة، وشريكًا عالميًا موثوقًا يُسهم في بناء مستقبل مستدام للبشرية.
الطاقات المتجددة في الجزائر.. استراتيجيات وحلول لتجاوز العقبات
أكدت قودار الشيماء، باحثة ومهندسة طاقات متجددة، أن الجزائر تواجه تحديات كبيرة في مجال الطاقات المتجددة رغم الإمكانيات الهائلة التي تتمتع بها البلاد في هذا المجال.
وأوضحت قودار في تصريح لـ”الأيام نيوز” أن المشكلة ليست فقط في نقص التكنولوجيا المتقدمة، وإنما تمتد لتشمل غياب استراتيجيات واضحة وفعّالة يمكنها أن تدفع بهذا القطاع إلى الأمام. وأضافت أن غياب إطار تشريعي متين ومتكامل يعدّ من أبرز العقبات التي تحول دون تحقيق الأهداف البيئية والاقتصادية التي تسعى الجزائر إلى تحقيقها، خاصة في ظل التحديات البيئية المتزايدة والاحتياجات المحلية المتنامية للطاقة
وفي سياق حديثها، أشارت قودار إلى أن غياب مكاتب الدراسات المعتمدة من قبل الدولة يُعتبر أحد الأسباب الجوهرية لفشل العديد من مشاريع الطاقة المتجددة. وأضافت أن الوضع الحالي الذي يسمح للمهندسين المعماريين بإعداد دفاتر الشروط بدلاً من الخبراء والمتخصصين يؤدي إلى أخطاء جسيمة في الكشوف الكمية والنوعية، مما يضعف جودة المشاريع ويعوق تنفيذها بكفاءة. كما نبهت إلى أن هذا الأمر يعد خلل إداري، ويمثل تحدياً هيكلياً يتطلب مراجعة جذرية لضمان نجاح المشاريع المستقبلية.
وتطرقت قودار إلى مسألة التكاليف العالية التي لا تزال تُثقل كاهل مشاريع الطاقة المتجددة في الجزائر. وأوضحت أن أنظمة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، على الرغم من التقدم التكنولوجي الذي شهدته السنوات الأخيرة، لا تزال غير قادرة على المنافسة مع مصادر الطاقة التقليدية مثل الغاز والنفط. وأكدت أن هذا العائق المالي يعمّق الفجوة بين الإمكانيات المتاحة والواقع الفعلي، مما يحد من قدرة البلاد على التوسع في استخدام هذه التقنيات الحديثة.
كما شددت قودار على أن نقص البنية التحتية يمثل تحدياً كبيراً أمام تطوير مشاريع الطاقة المتجددة. وأوضحت أن غياب شبكة كهرباء فعالة وقادرة على استيعاب الطاقة المنتجة من المصادر المتجددة يحد من إمكانية توزيع هذه الطاقة بشكل عادل وفعال، مما ينعكس سلباً على الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع. وأضافت أن هذا النقص في البنية التحتية يفرض قيوداً على إمكانيات الجزائر في تحقيق أهدافها البيئية والاقتصادية، ويؤخر التحول نحو الطاقة النظيفة.
وفي هذا السياق، أكدت قودار أن الاعتماد الكبير على الطاقة التقليدية مثل البترول والغاز يعوق الاستثمار في الطاقات المتجددة. وأوضحت أن هذا الاعتماد يشكل عائقاً نفسياً واقتصادياً أمام صناع القرار والمستثمرين على حد سواء، حيث يُنظر إلى الطاقة التقليدية على أنها مصدر أكثر أماناً وربحية على المدى القصير، رغم آثاره البيئية السلبية.
ودعت قودار إلى تبني رؤية شاملة تتجاوز مجرد إدخال التكنولوجيا الحديثة، مشيرة إلى ضرورة وضع استراتيجيات متكاملة تركز على تعزيز مكانة الجزائر في مجال الطاقات المتجددة. وأكدت على أهمية تطوير إطار قانوني شامل يُنظم عمل مكاتب الدراسات، بحيث يتم وضع معايير دقيقة تعتمد على الخبرة الفنية والإدارية اللازمة. وأوضحت أن هذا الإطار من شأنه أن يحد من الأخطاء المتكررة في المشاريع ويساهم في تحسين كفاءتها وجودتها.
وأضافت قودار أن برامج التأهيل والتدريب تُعدّ من الأدوات الأساسية لتعزيز قدرات المهندسين والكوادر الفنية في مجال الطاقات المتجددة. ودعت إلى تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية بالتعاون مع مؤسسات تعليمية متخصصة، بهدف تمكين المهندسين من إعداد دفاتر الشروط بدقة وكفاءة، مما يضمن نجاح المشاريع في المستقبل.
وختمت قودار تصريحها بالتأكيد على أهمية تحديث الشبكة الكهربائية في الجزائر لتكون قادرة على استيعاب الطاقة المنتجة من مشاريع الطاقة المتجددة. وأشارت إلى أن الحكومة يمكنها تعزيز هذا القطاع من خلال تقديم حوافز مالية وضريبية لجذب الاستثمارات المحلية والدولية، إلى جانب إقامة شراكات مع شركات عالمية متخصصة في مجال الطاقة الشمسية. وأكدت أن الاستثمار في البحث العلمي والابتكار المحلي يمثل خطوة محورية لتحسين الكفاءة وتقليل التكاليف، قائلة: “إذا تمكنت الجزائر من تجاوز هذه العقبات، فإنها ستتمكن من تعزيز مكانتها بصفتها مصدرا رئيسا للطاقة الشمسية، على الصعيد المحلي وحتى الدولي.”

الجزائر.. رحلة التحول نحو الطاقات المتجددة
بقلم: غرنوطي كريم (رئيس مصلحة العلاقات الخارجية لدى مركز تنمية الطاقات المتجددة – الجزائر)
تمتلك الجزائر موارد طاقوية معتبرة تشمل المصادر الأحفورية والمتجددة مثل الطاقة الشمسية، الهيدروجين الأخضر، والطاقة الحيوية.
وقد تم وضع استراتيجية وطنية للإسراع في استغلال الطاقات المتجددة عبر تفعيل برامج وطنية متنوعة، مع التركيز على الطاقة الشمسية الكهروضوئية والهيدروجين الأخضر. تهدف هذه الاستراتيجية إلى تقليص انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون تماشياً مع اتفاقية باريس للمناخ (COP Paris) وتقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، والتي تشير إلى ضرورة تحقيق تخفيضات كبيرة في الانبعاثات للحد من ارتفاع حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية، مما يتطلب تحولات جذرية في أنظمة الطاقة.
من جانب آخر، يعتبر الحفاظ على مخزون الغاز والبترول وترشيد استخدامه أمراً حيوياً لضمان الأمن الطاقوي الوطني. وتعكس هذه الاستراتيجية إرادة سياسية واضحة لدعم مشاريع الطاقات المتجددة، بما في ذلك البرنامج الوطني لإنتاج 15,000 ميغاواط من الكهرباء بالطاقة الشمسية الكهروضوئية ضمن آجال محددة. كما تم توفير تسهيلات وامتيازات وضمانات لتمويل هذه المشاريع بغطاء مالي وبشري يهدف إلى تحقيق تحرر تدريجي من الاعتماد الكلي على الريع البترولي، وتشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية في القطاعين الخاص والعام لتعزيز وتيرة إنجاز المشاريع الطاقوية.
في هذا السياق، تم إصدار “أطلس موارد الطاقات المتجددة الجزائرية” لأول مرة عام 2019 من قبل مركز تنمية الطاقات المتجددة، والذي يتضمن خرائط جغرافية تعرض إمكانيات الطاقة المتجددة في الجزائر، مثل الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، الطاقة الحرارية الجوفية، والطاقة الحيوية. يسعى هذا الأطلس إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز تنويع مصادر الطاقة وترشيد الاستهلاك. كما أشار المركز إلى إمكانية إنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة نتيجة القرار غير المسبوق لتحفيز الباحثين على الانخراط في الديناميكية الاقتصادية.
ومع ذلك، تواجه الجزائر تحديات كبيرة في تمويل مشاريع التحول الطاقوي، إذ تتطلب هذه المشاريع رأسمالاً معتبراً لتغطية أعمال البنية التحتية والبناء على تضاريس متنوعة، بالإضافة إلى الحاجة لتطوير الإطار التنظيمي وإعداد رأس المال البشري ونقل التكنولوجيا وتأمين التمويل اللازم.
تشمل التحديات أيضاً المسافة بين مراكز الطلب والإمداد، خاصة في المدن ذات الكثافة السكانية العالية، مما يستدعي إنشاء مراكز جديدة غير مركزية لدمج الكهرباء المولدة من الطاقات النظيفة في الشبكة الوطنية للكهرباء. كما يتطلب الأمر تحديث المعدات والبنية التحتية وتفعيل التشريعات والقوانين المنظمة لدمج المتعاملين الاقتصاديين في الشبكة.
على الرغم من انخفاض تكلفة تقنيات الطاقة الشمسية، ما تزال مشاريع الطاقات المتجددة تتطلب تمويلاً كبيراً، مما يمثل تحدياً للجزائر. وقد خصصت الحكومة أكثر من 2 مليار دولار لإنجاز محطات الطاقة الشمسية بسعة تصل إلى 15,000 ميغاواط بحلول عام 2035، في خطوة تعكس التزام السلطات بتجسيد هذا البرنامج الطموح. ومع ذلك، هناك حاجة للبحث عن مصادر تمويل أخرى، مثل صناديق التعويضات المناخية ودفع الديون البيئية من قبل دول الشمال إلى الجنوب بصيغة تحويلات للثروة، لا على أنها قروض.
إلى جانب ذلك، يمكن تعزيز الديمقراطية الطاقوية عبر استراتيجيات تشجع المواطنين على الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة الصغيرة والمجتمعية، مما يساهم في خلق فرص عمل وتنويع المزيج الطاقوي الوطني.

مستقبل الطاقة النظيفة في الجزائر.. إشعاع شمسي وابتكار تقني
أكد لخضر حميداتو، مهندس دولة في الميكانيك متخصص في الطاقويات، في حوار مع “الأيام نيوز”، أن الجزائر تمتلك مقومات هائلة تؤهلها لتصبح مركزاً إقليمياً في مجال الطاقات المتجددة، مشيراً إلى أهمية استغلال الموارد الطبيعية بشكل مستدام، مثل الطاقة الشمسية والمساحات الشاسعة، مع التركيز على تحديث البنية التحتية وتعزيز الشراكات الدولية.
كما أوضح أن الانتقال الطاقوي يحتاج إلى رؤية طويلة المدى، استثمارات مبتكرة، وتشريعات داعمة، مؤكداً أن الإدارة السياسية للبلاد تسير بخطى واثقة نحو تحقيق هذا الهدف، رغم التحديات التقنية والبيئية التي تواجه هذا القطاع الواعد.
الأيام نيوز: بدايةً أستاذ لخضر حميداتو، كيف ترى أهمية التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، وما هي انعكاساته على مستقبل قطاع الطاقة التقليدية؟
لخضر حميداتو: التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة أصبح أمراً حتمياً، وذلك بسبب التبعات البيئية الناجمة عن إنتاج الطاقة التقليدية باستخدام البترول وتكريره والغاز الطبيعي. هذه التبعات لها آثار مباشرة على المناخ والبيئة، وأخرى غير مباشرة تؤثر على الحياة الفردية بشكل عام.
لذلك، التوجه نحو الطاقات النظيفة وتوفيرها بأسعار مناسبة يُعد ضرورياً وحتمياً من الناحية البيئية، حيث يُعتبر الأساس الأولي للحفاظ على البيئة. إضافة إلى ذلك، إنشاء أنظمة ذات كفاءة عالية قادرة على مواكبة وموازاة قطاع الطاقة التقليدي يُعد أمراً مهماً.
هنا، يمكن الحديث عن جهتين: الأولى تتعلق بآثار قطاع الطاقة التقليدي وطرق إنتاجها على البيئة وعلى الأفراد، والثانية ترتبط بتوفير الكهرباء والطاقة بشكل كافٍ لتلبية الطلب المتزايد.
قطاع الطاقة التقليدي لم يعد قادراً على تلبية الاحتياجات المتزايدة في السنوات المقبلة، مما يجعل إضافة الطاقة النظيفة أمراً ضرورياً. علاوة على ذلك، فإن المصادر التقليدية للطاقة تُعتبر مصادر نافدة، بينما تُعد الطاقة النظيفة والمستدامة مصادر مضمونة، تضمن استمراريتها على المدى الطويل.
الأيام نيوز: بالنظر إلى موارد الجزائر الطبيعية، مثل الطاقة الشمسية والمساحات الشاسعة، كيف يمكن للبلاد استغلال هذه المزايا لتطوير قطاع الطاقات المتجددة؟
لخضر حميداتو: بالنسبة للموارد الطبيعية للجزائر، من المؤكد أن الأمن الغذائي، أمن الطاقة، الصحة، والمياه تمثل واحدة من أهم الموارد التي ينبغي التركيز عليها بشكل عام. عند الحديث عن قطاع الطاقات المتجددة، فهو يشمل مجالات عدة، ولكل منها دراسة خاصة تتوافق مع طبيعة المكان والمناخ.
على سبيل المثال، استغلال الطاقة الشمسية يتنوع وفقاً للموقع والبيئة. غالباً ما تُستخدم لتوليد الكهرباء من خلال الألواح الكهروضوئية، وهو ما تسعى إليه البلاد في إطار رؤية رئيس الجمهورية لسنة 2035، التي تستهدف إنتاج 15 جيجاواط من الطاقة الشمسية.
بالتوازي مع ذلك، يمكن استغلال الطاقة الشمسية بطرق أخرى، مثل التوليد الحراري أو الاستغلال الحراري المباشر، مما يفتح المجال لحلول مستدامة، كإنشاء مبردات شمسية وتطبيقات مشابهة في هذا المجال.
علاوة على ذلك، تمتلك الجزائر مساحة شاسعة يمكن استغلالها حسب طبيعة المنطقة، سواء في الزراعة أو إنشاء المنشآت الصناعية وغيرها. هذا التنوع يجعل استغلال الموارد الطبيعية أحد أفضل الفرص المتاحة لتعزيز التنمية المستدامة في البلاد.
الأيام نيوز: باعتبارك متخصصًا في الطاقويات، كيف يمكن تحسين الكفاءة الطاقوية في الجزائر لتقليل الاعتماد على الطاقات الأحفورية؟
لخضر حميداتو: الانتقال نحو الطاقات النظيفة لن يكون مباشراً، بل سيكون تدريجياً وعلى مراحل متعددة. المرحلة الأولى تشمل الاعتماد على الطاقات الأحفورية لتوليد طاقة بديلة نظيفة، مثل الطاقة الشمسية، التي تُعد نقطة انطلاق أساسية في هذا المسار.
في المرحلة الثانية، يتم تعزيز هذا الانتقال من خلال سن قوانين وتشريعات تهدف إلى تقليل الاعتماد على الطاقات الأحفورية، خاصة في قطاعات مثل البناء والمصانع الكبرى، التي تُعتبر من أكبر مستهلكي الطاقة التقليدية. وتُركز هذه التشريعات على تجهيز المصانع والبنايات بمنشآت تعمل بالطاقة النظيفة والبديلة، مع تحسين استغلال الموارد الطاقوية.
كما يشمل هذا الانتقال إنتاج كهرباء نظيفة، إلى جانب ترشيد استهلاك الطاقة عبر قوانين تُعزز الاستغلال الأمثل للطاقة. وتستهدف هذه الجهود كافة المستويات، بدءاً من المصانع الكبرى والبنايات، وصولاً إلى الأفراد.
التوعية بأهمية ترشيد استهلاك الطاقة تُعد خطوة حاسمة في تقليل هذا الاستهلاك وتعزيز الاستدامة، مما يُسهم بشكل كبير في إنجاح عملية الانتقال نحو الطاقات النظيفة.
الأيام نيوز: ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الألواح الكهروضوئية في استراتيجية الجزائر للطاقة النظيفة؟ وهل ترى أنها كافية لتلبية احتياجات السوق المحلية والدولية؟
لخضر حميداتو: الاستغلال الأمثل للألواح الكهروضوئية والطاقة الشمسية يشغل حيزاً كبيراً في الاستراتيجية الجديدة للجزائر، نظراً للإشعاع الشمسي الكبير الذي تتمتع به البلاد. ومع ذلك، تواجه هذه الاستراتيجية تحديات عدة، أبرزها التحديات البيئية مثل ارتفاع درجات الحرارة، التي تُعد عائقاً أمام تحقيق الاستفادة القصوى من هذه الموارد.
كما تشمل التحديات الأخرى العوامل المناخية مثل الغبار، الأتربة، والرياح، التي تؤثر على سلامة وكفاءة الألواح الكهروضوئية. هذه العوائق تتطلب دراسة متأنية بالتوازي مع الجانب الاقتصادي والاستثماري، لضمان التغلب عليها وتعظيم الاستفادة من الطاقة الشمسية.
رغم هذه التحديات، يُتوقع أن يحقق استغلال الطاقة الشمسية نتائج إيجابية، تسهم في تزويد البلاد والسوقين المحلية والدولية بحصة معتبرة من الطاقة. ومع تزايد الطلب على الطاقة، يصبح من الضروري أن يتم هذا الاستغلال في إطار استراتيجية مدروسة بعناية، كما هو واضح في رؤية رئيس الجمهورية، لتلبية الاحتياجات المتزايدة وضمان تحقيق الأمن الطاقوي المستدام.
الأيام نيوز: حلول التبريد المستدامة تُعتبر جزءًا أساسيًا من تطوير الكفاءة الطاقوية، ما هي أبرز التطبيقات التي يمكن أن تتبناها الجزائر في هذا المجال؟
لخضر حميداتو: مجال التبريد بشكل عام يُعد مجالاً واسعاً ومتنوعاً، ويتطلب تخفيف استهلاك الطاقة بطرق مستدامة. عند الحديث عن تبريد الألواح الكهروضوئية تحديداً، فإن هذا الحل يُعتبر إضافة نوعية، حيث يسهم بشكل كبير في تحسين كفاءة الألواح الكهربائية وحمايتها، مما يعزز الاستثمارات بعيدة المدى في هذا المجال.
أثر تبريد الألواح يظهر بشكل مباشر في زيادة كفاءتها الإنتاجية، وبشكل غير مباشر على المستوى المالي، حيث يحقق توفيراً كبيراً على المدى الطويل من خلال تقليل تكاليف الصيانة واستبدال الألواح. كما يُعد تبني هذه الحلول على نطاق وطني ودولي خطوة ريادية تضع الجزائر في مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال.
بالإضافة إلى ذلك، يشكل تحسين كفاءة أنظمة التبريد والتكييف والتهوية وتقليل استهلاكها للطاقة أمراً ضرورياً وحتمياً. هذه الجهود تُعد جزءاً لا يتجزأ من مواكبة الطلب المتزايد على الكهرباء، خاصة وأن هذه الأنظمة تُعتبر من بين أكبر مستهلكي الطاقة. تحقيق توازن بين استدامة الطاقة والطلب المتزايد يُسهم في تعزيز الاقتصاد الطاقوي وتلبية احتياجات المستقبل.
الأيام نيوز: الإدارة الحرارية تُعد من المحاور التقنية المهمة في تقليل استهلاك الطاقة، كيف يمكن تطبيق هذا التخصص على المستوى الصناعي والتجاري لدعم التحول نحو الطاقة النظيفة؟
لخضر حميداتو: الإدارة الحرارية وكفاءة الطاقة يُمكن اعتبارهما وجهين لعملة واحدة، حيث يسهم الاستغلال الأمثل للحرارة وتبني حلول مبتكرة وأفكار نوعية في هذا المجال بشكل مباشر في تقليل استهلاك الطاقة.
الإدارة الحرارية تُحقق نتائج فعالة من خلال استغلال الحرارة بشكل مباشر، مما يقلل الاعتماد على الطاقة الكهربائية، وكذلك من خلال إعادة تدوير الحرارة الناتجة عن الأنظمة المختلفة. هذه الحرارة المدرجة أو الملقاة يمكن استثمارها واستخدامها بشكل غير مباشر، مما يحقق كفاءة أكبر في استهلاك الطاقة ويقلل من هدرها.
إعادة تدوير الحرارة تسهم في تقليل الاستهلاك الحالي، وتُساعد أيضاً في مواجهة الطلب المتزايد على الطاقة في المستقبل، مما يجعل الإدارة الحرارية أداة فعالة لتحقيق استدامة الطاقة وتعزيز كفاءتها على المدى البعيد.
الأيام نيوز: من وجهة نظرك، ما هي أبرز التحديات التي تواجه الجزائر لتصبح مركزًا إقليميًا للطاقة النظيفة، وكيف يمكن التغلب عليها تقنيًا وإداريًا؟
لخضر حميداتو: الجزائر، بما تتمتع به من موارد طبيعية هائلة مثل الطاقة الشمسية والمساحات الشاسعة، تمتلك جميع المقومات لتصبح مركزاً إقليمياً في مجال الطاقات المتجددة. ومع ذلك، تواجه عدداً من التحديات التي تتطلب معالجة شاملة على المستويين التقني والإداري لتحقيق هذا الهدف.
من الناحية الإدارية، تحتاج الجزائر إلى استقطاب المزيد من الكفاءات البشرية المؤهلة وتعزيز الفكر الريادي داخل المؤسسات. هذا النهج يسهم بشكل كبير في الانتقال الطاقوي المطلوب، مما يدعم تطور البلاد إقليمياً ودولياً في هذا المجال.
أما من الناحية التقنية، فالانتقال التدريجي في تطوير البنية التحتية يُعتبر ضرورياً وحتمياً لتأهيلها لاستغلال الموارد الطبيعية بشكل فعّال وجذب الاستثمارات المطلوبة.
إلى جانب ذلك، يشكل المناخ الجزائري تحدياً آخر، حيث يمكن لارتفاع درجات الحرارة، خاصة في الصحراء خلال فصل الصيف، أن يؤثر على كفاءة الاستغلال الشمسي، على الرغم من الإشعاع الشمسي الكبير الذي تمتاز به البلاد.
رغم هذه التحديات، تبقى رؤية الجزائر للانتقال الطاقوي طموحة، متجاوزة الحدود الوطنية لتشمل تحقيق دور ريادي في السياسة الدولية في مجال الطاقات المتجددة.
الأيام نيوز: أخيرًا، ما هي توصياتك لصناع القرار في الجزائر لتعزيز مكانة البلاد في سوق الطاقة النظيفة عالميًا، وكيف يمكن إشراك الكفاءات المحلية لتحقيق هذا الهدف؟
لخضر حميداتو: بالحديث عن التوصيات، فإن الإدارة السياسية في الجزائر تُظهر كفاءة عالية وقدرة متمكنة، وهو ما لمسناه بشكل واضح من خلال اللقاءات والمبادرات الحالية. ومع ذلك، هناك دائماً مجال للتحسين والتطوير لدعم الانتقال الطاقوي وتعزيز استغلال الطاقات النظيفة.
أولى التوصيات تتمثل في وضع رؤية طويلة المدى للطاقة النظيفة، وهو ما تحقق بالفعل من خلال توجيهات رئيس الجمهورية. كما ينبغي العمل على تحفيز الاستثمار المحلي والدولي عبر تشريعات تدعم هذا القطاع وتساهم في تسهيل الاستغلال المباشر للطاقات النظيفة.
إلى جانب ذلك، يُعد الاستثمار في البحث والتطوير والابتكار ضرورة ملحة، من خلال إنشاء مراكز أبحاث متخصصة وزيادة الميزانيات المخصصة لهذا المجال، مع تشجيع التعاون الوطني والدولي. كذلك، تحديث البنية التحتية للطاقة من خلال تطوير شبكة الكهرباء، إنشاء مشاريع لتخزين الطاقة، وربط الطاقات المتجددة بالشبكات التقليدية والإقليمية يُعتبر خطوة أساسية في هذا الإطار.
كما تُعد تعزيز الشراكة الدولية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية أمراً بالغ الأهمية، مع الانضمام إلى المبادرات العالمية للطاقة النظيفة. إضافة إلى ذلك، تشجيع نقل التكنولوجيا من خلال شراكات استراتيجية مع الشركات الرائدة عالمياً يُسهم في استغلال الكفاءات الدولية والوطنية وتكوين كوادر مؤهلة تواكب التوجهات العالمية.
بالإضافة الى ذلك، لابد من تشجيع الاستثمار الخاص ودعم القطاعات الفردية في الاستغلال المباشر للطاقات النظيفة. هذا التوجه يُشكل إضافة ذات قيمة عالية، حيث يساهم في تعزيز الدور الوطني والخاص في تحقيق نقلة نوعية في مجال استغلال الطاقات المتجددة.
تشجيع الاستثمارات الفردية والخاصة يفتح المجال لابتكارات جديدة ويزيد من الكفاءة الإنتاجية، مما يدعم التوجه العام نحو تحقيق التنمية المستدامة ويسهم في تعزيز مساهمة الطاقات النظيفة في الاقتصاد الوطني.
كل هذه الجهود مجتمعة ستساعد الجزائر على تحقيق استغلال أمثل للطاقات النظيفة وتعزيز مكانتها في المشهد الدولي للطاقة المتجددة.

كيف تقود الجزائر التحول الطاقوي في شمال إفريقيا؟
تحدث الدكتور محمد عباس مدير وحدة تنمية الأجهزة الشمسية ببوسماعيل، والباحث في مجال الطاقات المتجددة عموماً والطاقة الشمسية خصوصاً، عن الإمكانيات الضخمة التي تمتلكها الجزائر في هذا المجال، بدءاً من مواردها الطبيعية مثل الإشعاع الشمسي وطاقة الرياح والكتلة الحيوية، مروراً بالكفاءات البشرية والبنية التحتية المتوفرة، وصولاً إلى المشاريع الطموحة التي شرعت الجزائر في تنفيذها لتحقيق التحول الطاقوي. كما سلط الضوء على أهمية توطين صناعة مكونات المحطات الشمسية، مستعرضاً التحديات التقنية والتنظيمية التي تواجه تطوير هذا القطاع، وأهمية السوق المحلية والإفريقية في تعزيز مكانة الجزائر بصفتها فاعلا رئيسا في مجال الطاقات المتجددة.
الأيام نيوز: بداية دكتور محمد عباس، لو تحدثنا عن أبرز السياقات التي دفعت العالم نحو تبني الطاقات المتجددة؟
الدكتور محمد عباس: ظهور الطاقات المتجددة جاء نتيجة ثلاثة سياقات أساسية. الأول هو السياق البيئي، حيث أدى الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية إلى تحركات عالمية لمحاربة هذه الظاهرة، مدعومة بمؤتمرات المناخ مثل قمة ريو ديجانيرو واتفاق كيوتو، والهدف النهائي هو مسار 2050 الذي يهدف إلى تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة إلى الصفر. لتحقيق ذلك، يجب تركيب ألف جيجاوات من الطاقات المتجددة سنويًا واستثمار ما لا يقل عن 1500 مليار دولار سنويًا.
أما السياق الثاني فهو الطاقوي، حيث تسعى الدول لضمان أمنها الطاقوي، خاصة بعد أزمات مثل الحرب الروسية الأوكرانية التي دفعت العديد من الدول إلى مضاعفة برامج الطاقات المتجددة. وأخيرًا، السياق الاقتصادي، والذي يظهر بوضوح في تجربة الصين التي سيطرت على سوق الطاقات المتجددة بنسبة 80% بفضل تصنيع وتركيب الأجهزة والمحطات الشمسية والريحية.
الأيام نيوز: كيف تقود الطاقة الشمسية التحول نحو الطاقات النظيفة، وما الذي يجعلها مميزة؟
الدكتور محمد عباس: الطاقة الشمسية أصبحت في طليعة التحول الطاقوي بفضل عوامل متعددة. أولاً، الانتشار الواسع لها في العديد من الدول، وثانيًا، التطور التكنولوجي والاختراقات العلمية التي حققتها، مما جعلها أكثر كفاءة وأقل تكلفة. على سبيل المثال، انخفضت أسعار الطاقة الشمسية بشكل كبير لتصبح أرخص من الطاقات الأحفورية مثل الغاز والبترول في العديد من الدول. هذه العوامل، إلى جانب الاستثمارات المستمرة والابتكار، جعلت الطاقة الشمسية الخيار الأبرز لتحقيق أهداف التحول الطاقوي.
الأيام نيوز: بالنظر إلى الوضع الحالي، كيف ترون تطور الطاقات المتجددة على الصعيد العالمي؟
الدكتور محمد عباس: الطاقات المتجددة تمثل الآن حوالي 28% من الاستهلاك العالمي للطاقة، وهو رقم قياسي يعكس التقدم المستمر مقارنة بالطاقات الأحفورية. كل عام، تكتسب الطاقات المتجددة نقاطًا إضافية لصالحها، والطاقة الشمسية تحديدًا تقود هذا التوجه بفضل توفرها وتطورها التكنولوجي. ومع الدعم الدولي المتمثل في مضاعفة برامج التركيب والاستثمارات، يتوقع أن تستمر هذه النسبة في النمو بشكل متسارع.
الأيام نيوز: لو نتحدث عن الجزائر، ما هي الإمكانيات الطبيعية التي تجعل البلاد في موقع متميز لدعم التحول نحو الطاقات المتجددة؟
الدكتور محمد عباس: تمتلك الجزائر إمكانيات طبيعية ضخمة تضعها في طليعة الدول المؤهلة لاستغلال الطاقات المتجددة. من أبرز هذه الإمكانيات موقعها الجغرافي ضمن الحزام الشمسي، مما يوفر لها إشعاعًا شمسيًا قويًا يمتد على مدار السنة، حيث تصل ساعات الإشعاع إلى 3900 ساعة سنويًا في مناطق مثل تمنراست، و2500 ساعة في مناطق أخرى. كما أن 90% من مساحة الجزائر تتوفر على إشعاع شمسي، بالإضافة إلى توفر طاقة الرياح في مناطق الجنوب الكبير. الجزائر أيضًا غنية بطاقة الكتلة الحيوية الناتجة عن مخلفات النشاط الزراعي، إلى جانب طاقة المنابع الحرارية الأرضية التي تتواجد في شمال البلاد والهضاب العليا.
الأيام نيوز: كيف تساهم الإمكانيات البشرية والبنية التحتية في دعم مشاريع الطاقات المتجددة في الجزائر؟
الدكتور محمد عباس: تملك الجزائر كفاءات بشرية متميزة في مجال الطاقات المتجددة، سواء داخل البلاد أو خارجها، مع العديد من برامج التكوين في الماستر والدكتوراه وقطاع التكوين المهني. كما تم إنشاء مؤسسات ناشئة ومشاريع شبابية تدعم هذا المجال. إلى جانب ذلك، توفر الجزائر بنية تحتية صناعية قوية، مناطق صناعية متعددة، ومعادن نادرة تساهم في تصنيع مكونات الطاقات المتجددة.
ما يعزز هذه الجهود هو مناخ الاستثمار الملائم، الذي يدعمه قانون الاستثمار الجديد، حيث يضمن هذا القانون تحفيزات وضمانات للمستثمرين في القطاعات الحيوية، بما في ذلك الطاقات المتجددة. هذا الإطار القانوني يهدف إلى جذب الاستثمارات المحلية والدولية، مما يفتح آفاقاً واسعة لتطوير القطاع وتعزيز مساهمته في تحقيق التنمية المستدامة.
الأيام نيوز: ما هو دور البحث العلمي والتمويل في تطوير قطاع الطاقات المتجددة في الجزائر؟
الدكتور محمد عباس: فعالية البحث العلمي لا تُقاس بعدد الأوراق العلمية فقط، حتى وإن كان ذلك ضرورياً، ولا تُقاس بعدد المشاريع المنجزة، رغم أن ذلك يعد عاملاً مهماً في تعزيز التراكمية والرصيد المعرفي. بل تُقاس بمدى التأثير الإيجابي لمخرجات البحث العلمي على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، ومساهمتها في حلحلة إشكاليات التنمية ودفع عجلة الاقتصاد الوطني.
لذلك، وضعت الحكومة الجزائرية ثلاث أولويات للبحث العلمي، وهي: الأمن الطاقوي، الأمن الغذائي، وصحة المواطن. ونتيجة لهذا التوجه الرشيد، حقق البحث العلمي في الجزائر قفزة نوعية وأصبح من أبرز العوامل الداعمة لتطور الطاقات المتجددة. ويؤكد ذلك الرصيد المعرفي المتراكم لمركز تنمية الطاقات المتجددة منذ انطلاقه عام 1982 ليكون أول محطة تجريبية، ثم تأسيس وحداته المنتشرة في بوسماعيل، غرداية، وأدرار. تقدم هذه المراكز أوراقاً بحثية تُعد مراجع عالمية، بالإضافة إلى العديد من النماذج التطبيقية والمنجزات في مختلف فروع الطاقات المتجددة.
وقد جاءت هذه النتائج بفضل العدد المعتبر من مشاريع البحث المحلية والوطنية والدولية ذات القيمة المضافة، والتي تتميز بالاحترافية وتتماهى مع التطورات العالمية الحاصلة في هذا المجال. كما ساهمت هذه المشاريع في المجهود الوطني للتكوين على كل المستويات، دون إغفال دورها في تحسيس كافة القطاعات بأهمية الطاقات النظيفة، والترويج لها، وإدماجها التدريجي ضمن المزيج الطاقوي المحلي.
أما من الناحية التمويلية، فالجزائر تعتمد على إمكانياتها الذاتية بدلاً من المديونية، وهو قرار سيادي يعكس استقلالية الدولة في هذا المجال. كما يُنتظر أن تسهم الصيرفة الإسلامية في تمويل المشاريع، مما يعكس التزام الجزائر بدعم هذا القطاع الحيوي.
الأيام نيوز: كيف حولت الجزائر إمكانياتها الطبيعية في مجال الطاقات المتجددة إلى مشاريع ملموسة على أرض الواقع؟
الدكتور محمد عباس: الجزائر لم تنتظر طويلاً لاستثمار مواردها الطبيعية الضخمة، مثل الإشعاع الشمسي وطاقة الرياح، في مشاريع واقعية. من أبرز البرامج التي أطلقتها، مشروع توليد 3000 ميجاواط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية في المرحلة الأولى ضمن برنامج يمتد حتى 2035 بهدف إنتاج 15,000 ميجاواط. هذه المشاريع تشمل الهضاب العليا والجنوب الكبير، وتساهم في رفع نسبة الطاقة المتجددة في المزيج الطاقوي، حيث تمثل المرحلة الأولى حوالي 30% من الاستهلاك الكهربائي الحالي. إلى جانب ذلك، تم تزويد القرى النائية، المزارع، والمدارس الابتدائية بمنظومات شمسية، ما يعزز رفاهية المواطنين ويدعم التنمية المستدامة.
الأيام نيوز: ما هو دور القطاع الصناعي المحلي في دعم مشاريع الطاقة الشمسية؟
الدكتور محمد عباس: الصناعة المحلية تلعب دوراً محورياً، مع وجود ستة مصانع للألواح الشمسية تقوم بتجميعها باستخدام الخلايا المستوردة من الصين. إضافة إلى ذلك، توجد مصانع أخرى لتصنيع الكوابل الكهربائية، البطاريات، والمحولات التي تحول التيار الكهربائي المستمر إلى متناوب. هذه المكونات أساسية في منظومات الطاقة الشمسية وتساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
الأيام نيوز: ما هي أبرز التحديات التي تواجه الجزائر في تطوير مشاريع الطاقة الشمسية؟
الدكتور محمد عباس: التحديات تشمل الجوانب التقنية مثل اختيار التكنولوجيا المناسبة للمناخ الصحراوي القاسي، إضافة إلى مراقبة جودة الألواح الشمسية المستوردة أو المصنعة محلياً، حيث تم إنشاء مخبر لمراقبة الجودة بالتعاون مع شركاء دوليين. كما أن التحديات التشريعية والتنظيمية تُعد عائقاً مهماً، مثل الحاجة إلى تحديث القوانين لتشجيع الأفراد على تركيب الألواح الشمسية وبيع الفائض من الكهرباء. الجزائر بحاجة إلى منظومة تشريعية استباقية تسهل التنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة وتواكب التطورات التقنية.
الأيام نيوز: ما هي أهمية توطين صناعة مكونات المحطات الشمسية في الجزائر؟
الدكتور محمد عباس: توطين صناعة مكونات المحطات الشمسية، مثل الألواح الشمسية، البطاريات، الكوابل الكهربائية، والمحولات، يُعد خطوة أساسية لتحقيق الاكتفاء الذاتي والاستفادة من مناخ الاستثمار الملائم حاليًا. قانون الاستثمار الجديد يوفر مزايا مشجعة لجذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، خاصة في ظل توفر العقار الصناعي، اليد العاملة المدربة ذات المهارات التقنية العالية، وسوق واعدة محليًا وإفريقيًا. هذا العمق الإفريقي يمكن أن يفتح أبوابًا لتسويق المنتجات الجزائرية على نطاق واسع.
الأيام نيوز: كيف يمكن للمواد الأولية والبحث العلمي دعم تطوير قطاع الطاقة الشمسية في الجزائر؟
الدكتور محمد عباس: توفر الجزائر المواد الأولية الضرورية لصناعة الخلايا الشمسية والمعادن الأخرى المستخدمة في تصنيع مكونات الأجهزة الشمسية. كما أن التطور الكبير في البحث العلمي ومخرجات مراكز البحث والمخابر الجامعية يمثل فرصة ذهبية لتطوير هذا القطاع. العديد من النماذج المطورة تحتاج إلى اهتمام المصنعين المحليين والمؤسسات الوطنية والخاصة لاستغلال نتائج الأبحاث وتحويلها إلى منتجات عملية.
الأيام نيوز: كيف تسهم السوق المحلية والإفريقية في تعزيز مكانة الجزائر في مجال الطاقات المتجددة؟
الدكتور محمد عباس: السوق الجزائرية تمثل مجالًا خصبًا وغير مستغل بالكامل، مع إمكانيات نمو كبيرة، خاصة في مجال الطاقات المتجددة. إلى جانب ذلك، العمق الإفريقي الذي يعتبر أحد ركائز السياسة الاقتصادية للجزائر، يفتح المجال لتصدير المنتجات الجزائرية إلى الأسواق الإفريقية والعربية، مما يعزز الدور الريادي للجزائر في مجال الطاقات المتجددة على المستوى الإقليمي. تصنيع مكونات المحطات الشمسية محليًا سيتيح للجزائر فرصة تسويقها في الأسواق المجاورة، ما يعكس الأهمية الاستراتيجية للطاقات المتجددة في تعزيز الاقتصاد الوطني والإقليمي.
الأيام نيوز: سؤال أخير دكتور، كيف ترى مستقبل الجزائر في لعب دور محوري في سوق الطاقات المتجددة العالمية، وما هي الخطوات التي يجب اتخاذها لتعزيز هذا الدور؟
الدكتور محمد عباس: أرى أن مستقبل الجزائر في سوق الطاقات المتجددة العالمية واعدا للغاية، خاصة مع الاستغلال الأمثل للغاز الطبيعي، الذي يعد مصدراً نظيفاً وقريباً من الطاقات المتجددة، مما يجعله جسراً مهماً في التحول الطاقوي. إضافة إلى ذلك، يتميز قطاع المناجم في الجزائر بوفرة المعادن والمواد النادرة، التي أصبحت محوراً أساسياً في صناعة الطاقات المتجددة.
ما يعزز هذه الرؤية المستقبلية هو التغيير الحكومي الأخير، الذي أظهر توجهاً واضحاً نحو دمج الطاقات المتجددة وقطاع المناجم والطاقة في إطار استراتيجي متكامل. هذه الخطوة تعكس رؤية استشرافية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية واعدة، إذ تفتح المجال لتحقيق قفزة نوعية في استغلال الموارد الطبيعية بشكل مستدام وتعزيز مكانة الجزائر في السوق العالمية.
لتعزيز هذا الدور، ينبغي الاستثمار في تطوير تقنيات تحويل المعادن النادرة محلياً، وتكثيف البحث العلمي، مع توسيع الشراكات الدولية، بما يضمن تحقيق نتائج إيجابية تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني وتعزز تنافسية الجزائر عالمياً.

الجزائر تسعى إلى تحقيق التميز في إنتاج الكهرباء الخضراء
تحدث الأستاذ بوخالفة يايسي المدير العام لمجمع الطاقات الخضراء بالجزائر، عن مستقبل الطاقات النظيفة في الجزائر ودورها الاستراتيجي في تعزيز الاقتصاد الوطني، وأكد على التحول نحو الهيدروجين الأخضر وإنتاج الكهرباء النظيفة، مشيرا إلى الخطوات العملية التي تتخذها الجزائر لتحقيق الانتقال الطاقوي وتلبية الطلب المحلي والدولي على الطاقات المتجددة.
وأوضح يايسي، في تصريح لـ”الأيام نيوز”، أن الجزائر تعمل على تعزيز صادراتها من الغاز الطبيعي لأوروبا، باعتباره السوق الأقرب، لكنها تتجه تدريجياً نحو تصدير الهيدروجين الأخضر.
وأضاف أن هذا التحول يأتي تماشياً مع توجه أوروبا للخروج من التبعية للغاز الروسي وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة. وقال: “ستكون هناك عملية انتقال تدريجي نحو استخدام الهيدروجين الأخضر بدلاً من الغاز الطبيعي لتلبية احتياجات أوروبا المستقبلية من الطاقة”.
وأشار يايسي إلى أن الجزائر تعتمد على الأنابيب الغازية الموجودة حالياً لتعزيز هذا الانتقال، وذلك في إطار مشروع استراتيجي مشترك مع إيطاليا وألمانيا والنمسا. وأضاف: “نحن نعمل على تنفيذ مشروع يهدف إلى دمج الهيدروجين الأخضر مع الغاز الطبيعي لتصدير 4 ملايين طن سنوياً لأوروبا، وهو ما يعادل حوالي 40% من احتياجاتها السنوية المقدرة بـ10 ملايين طن”.
وأوضح يايسي أن هذه الشراكات والمشاريع تعزز موقع الجزائر بصفتها المزود الرئيس للطاقة النظيفة لأوروبا.
الهيدروجين الأخضر: حساب التكلفة لتحقيق المستقبل
وفيما يتعلق بتكاليف إنتاج الهيدروجين الأخضر، أكد المدير العام لمجمع الطاقات الخضراء بالجزائر أن تكلفة الإنتاج تعتمد بشكل رئيسي على تكلفة الطاقة المستخدمة لتحويل الماء إلى هيدروجين أخضر، والتي تمثل حوالي 60% من تكلفة الإنتاج، وهذه الطاقة تأتي من مصادر متجددة مثل: الشمس والرياح.
وأضاف: “الدور الفعال للجزائر يتمثل في توفير طاقة كهربائية خضراء بأسعار تنافسية، وهو ما يعزز قدرتنا على إنتاج الهيدروجين الأخضر بكفاءة. وقد تم إطلاق مشروع لإنتاج 15 ألف ميغاواط من الكهرباء من الطاقة الشمسية، وهو خطوة رئيسية نحو تحقيق هذا الهدف”.
وأشار يايسي إلى أن الجزائر تمتلك إمكانيات هائلة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما يجعلها مؤهلة لتحقيق إنتاج تنافسي للكهرباء الخضراء. وأضاف: “يمكننا أن نستلهم من تجربتنا في الغاز الطبيعي، حيث إننا نقدم الغاز الطبيعي للمؤسسات بأسعار تنافسية محلياً وعالمياً، ونفس النهج يمكن أن يُطبق على الطاقة الخضراء”.
وأوضح أن المؤسسات الجزائرية لديها القدرة على المساهمة في مشروع 15 ألف ميغاواط، مما يعزز من تنافسية إنتاج الكهرباء الأخضر ويسمح بتوفير طاقة كافية للشركات المهتمة بتحويل الماء إلى هيدروجين أخضر.
الطاقات النظيفة: خطوة نحو تقليل استهلاك الغاز التقليدي
وفيما يتعلق بدور الطاقات المتجددة، أكد يايسي أن مشروع الطاقات المتجددة يعتبر محورياً لتقليل استهلاك الغاز الطبيعي المستخدم حالياً في توليد 98% من الكهرباء في الجزائر. وقال: “كلما أضفنا ألف ميغاواط من الطاقة الشمسية، سنتمكن من توفير ما يقرب من 600 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً”.
وأضاف أن الغاز الطبيعي الذي يتم توفيره يمكن استخدامه إما في مشاريع تحويلية داخل الجزائر أو لتصديره إلى الأسواق الخارجية، مما يعزز من عوائد الاقتصاد الوطني. وأشار إلى أن العمر الافتراضي لمشاريع الطاقة الشمسية يتراوح بين 25 و30 سنة، مما يعني توفير كميات هائلة من الغاز الطبيعي على المدى الطويل.
وأوضح يايسي أن الانتقال إلى الطاقات المتجددة يلعب دوراً حاسماً في تمكين الجزائر من مواصلة تزويد عملائها بالغاز الطبيعي، بينما تستعد تدريجياً للتحول الكامل نحو الطاقات النظيفة والهيدروجين الأخضر.
وأكد أن مشروع الطاقات المتجددة يُعتبر استراتيجياً لضمان استقلال الجزائر عن الطاقات الأحفورية في المستقبل، مع المحافظة على التزاماتها تجاه الأسواق الدولية وتلبية احتياجاتها المحلية من الطاقة.

الجزائر على أعتاب الريادة في مجال الطاقة النظيفة
أكد أحمد طرطار، الخبير الطاقوي، أن الجزائر تراهن بشكل كبير على ملف الطاقة النظيفة ليكون جزءا من رؤيتها المستقبلية، مستغلة كافة الوسائل التكنولوجية والموارد الطبيعية التي تمتلكها، خاصة تلك القابلة للتحويل إلى طاقة متجددة مثل طاقة الرياح، الطاقة الشمسية، والطاقة النووية. وأشار إلى أن الجزائر تسعى أيضًا لتطوير طاقات مشتقة من الغاز، مثل الهيدروجين الأخضر والأمونيا، من خلال برامج مدروسة واستراتيجيات شاملة تهدف إلى تحويل هذه الموارد إلى أدوات استراتيجية للتنمية المستدامة.
وفي تصريح لـ” الأيام نيوز”، أوضح طرطار أن الجزائر تعمل حاليًا على تفعيل هذه الموارد مع تحسين كفاءة استخدامها، خاصة في تقليل الانبعاثات الناتجة عن الطاقات الأحفورية مثل الغاز الطبيعي. وقال إن الجزائر تُنتج حوالي 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا مع احتياطيات كبيرة، مما يجعلها من بين أبرز منتجي الغاز عالميًا. وأضاف أن الجهود تُبذل لتحويل الغاز إلى مصدر طاقة صديق للبيئة باستخدام تقنيات متطورة تُقلل من التأثير البيئي.
وأشار طرطار إلى أن الجزائر وضعت خططًا طموحة لتعزيز استراتيجيات الطاقة الشمسية، حيث تسعى إلى تحقيق إنتاج قدره 15 ألف ميجاوات بحلول عام 2035. وبيّن أن هذه المشاريع تشمل إنشاء محطات طاقة شمسية في الجنوب والحزام الصحراوي، وتركيب 15 محطة للطاقة الضوئية في 13 ولاية، بالإضافة إلى 6 محطات أخرى في منطقة “غار جبيلات”. واعتبر أن هذه الخطط تُظهر التزام الجزائر بتطوير قدراتها في مجال الطاقات المتجددة.
وفيما يخص الهيدروجين الأخضر والأمونيا، أكد طرطار أن الجزائر تخطط للبدء في إنتاجهما وتصديرهما بحلول عام 2025. وقال إن هناك مشاريع قائمة لتطوير هذا القطاع بالتعاون مع شركاء أوروبيين، خاصة من إيطاليا وألمانيا. وأوضح أنه يتم حاليًا دراسة جدوى مشاريع لتصدير الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا الغربية عبر إسبانيا أو باستخدام خطوط الغاز القائمة، مع احتمال تطوير بدائل إضافية بناءً على نتائج الدراسات.
وشدد طرطار على أن الجزائر تسعى إلى تحقيق نسيج طاقوي متكامل ومنسجم خلال السنوات القادمة، وخاصة في الخمس سنوات المقبلة، بما يضمن المحافظة على الموارد الطاقوية الأحفورية مع تطوير الموارد الأخرى القابلة للتحويل إلى طاقات بديلة. وأضاف أن هذا التوجه يتم وفق استراتيجيات متناسقة مع رؤية 2030، حيث تم تخصيص حوالي 40 مليار دولار بين عامي 2023 و2027 لتطوير البنية التحتية الطاقوية واستخدام التكنولوجيا المتطورة.
وأشار طرطار إلى أن الجزائر تستمر في تصدير حوالي 52 إلى 56 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، مع خطط لزيادة الإنتاج إلى حوالي 150 مليار متر مكعب خلال الخمس سنوات المقبلة. وأوضح أن هذا الإنتاج يتم توجيهه إلى أسواق دولية رئيسة، مثل ألمانيا وإيطاليا، عبر خطوط تقليدية مثل الخط الرابط بين الجزائر وإيطاليا مرورًا بتونس، وخطوط حديثة مثل الخط الرابط بين الجزائر وإسبانيا والذي يصل إلى البرتغال.
وأكد طرطار أن الجزائر تضع نصب أعينها تحقيق الاستدامة في استخدام مواردها الطاقوية، حيث تُوظف جزءًا منها لتحقيق أفضل النتائج حاليًا، مع الحفاظ على الجزء الآخر للأجيال القادمة. وشدد على أن حسن تسيير هذه الموارد هو المفتاح لتحقيق التنمية المستدامة وضمان استدامة هذه الموارد على المدى الطويل.
وعلى الصعيد الدولي، أوضح طرطار أن الجزائر لها دور محوري في المنظمات الدولية للطاقة، حيث تحتل المرتبة السابعة في منتدى الدول المصدرة للغاز. وأشار إلى أن الجزائر تتبنى نهجًا تشاوريًا مع شركائها لتنسيق السياسات الطاقوية وتعزيز مكانتها الدولية. وأضاف أن هذا التوجه لم يأتِ بسهولة، بل جاء نتيجة مفاوضات متعددة وتوافقات دولية، مما يجعل الجزائر قطبًا رئيسا في مجال إنتاج الطاقات النظيفة وتطوير البنية التحتية المرتبطة بها.
واختتم طرطار تصريحه بالتأكيد على أهمية استراتيجيات الجزائر في الطاقات المتجددة، خاصة الهيدروجين الأخضر. وأوضح أن الجزائر وقعت اتفاقيات تعاون مع دول مثل ألمانيا، النمسا، وإيطاليا، لتلبية الطلب المتزايد على هذا المورد عالميًا. وأكد أن هذه الخطط تعزز من قدرة الجزائر التنافسية مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة، مما يُبرز رؤية إيجابية وطموحة لتحقيق الريادة في مجال الطاقة النظيفة.

دبلوماسية الطاقة النظيفة.. فرصة الجزائر لتعزيز نفوذها الدولي
تمتلك الجزائر تاريخًا طويلًا في دبلوماسية الطاقة، وها هي اليوم تتهيأ للانتقال إلى مرحلة جديدة عبر استغلال مواردها الطبيعية لتعزيز مكانتها الدولية. حول هذا الموضوع، يتحدث الدكتور علي بقشيش، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الأغواط عن الفرص التي تتيحها دبلوماسية الطاقة للجزائر في ظل تحول العالم نحو الطاقة النظيفة، وكيف يمكن لهذا النوع من الطاقة أن يعزز من مكانتها على المستوى الإقليمي والدولي، فضلا عن أسئلة وتساؤلات أخرى.
الأيام نيوز: دكتور بقشيش، الجزائر تمتلك تاريخًا طويلًا في دبلوماسية الطاقة، كيف ترى إمكانية استغلال هذا التاريخ لدعم التحول نحو الطاقات النظيفة؟
الدكتور علي بقشيش: دبلوماسية الطاقة ليست جديدة على الجزائر. يمكننا العودة إلى السبعينيات، خاصة عام 1971 عند تأميم المحروقات، ثم إلى عام 1973 خلال الحرب العربية الإسرائيلية، حيث قطعت الدول العربية صادراتها النفطية إلى أوروبا احتجاجًا على دعمها لإسرائيل. خلال تلك الفترة، لعبت الجزائر دورًا محوريًا في منظمة الدول المصدرة للنفط.
اليوم، يمكن للجزائر استغلال هذا التاريخ العريق في دبلوماسية الطاقة لدخول مجال الطاقات النظيفة بقوة، بالنظر إلى الاعتبارات الجيوسياسية والاقتصادية. الجزائر مؤهلة لأن تكون دولة رائدة في إنتاج الطاقة النظيفة، ويمكنها استقطاب الدول الصناعية الكبرى التي تحتاج إلى مصادر طاقة مستدامة.
الأيام نيوز: ما هي أبرز الإمكانيات التي تجعل الجزائر مؤهلة لتصبح قطبًا عالميًا للطاقة النظيفة؟
الدكتور علي بقشيش: الجزائر تمتلك إمكانيات هائلة، سواء في مجال الطاقات التقليدية أو النظيفة. فهي أكبر دولة في إفريقيا من حيث المساحة، وتتمتع بتنوع تضاريسها بين التل، السهول، والصحراء.
إضافة إلى ذلك، المناخ الجزائري يوفر طاقة شمسية وفيرة على مدار السنة، كما أن الجزائر تقع في منطقة غنية بالرياح. لديها أيضًا شريط ساحلي طويل، ووديان، وأنهار يمكن أن تكون مصادر إضافية للطاقة النظيفة.
الأيام نيوز: لكن، كيف يمكن لهذه الإمكانيات أن تعزز من مكانة الجزائر على المستوى الإقليمي والدولي؟
الدكتور علي بقشيش: هذه الإمكانيات تؤهل الجزائر لأن تكون قطبًا طاقويًا جديدًا في المنطقة، وقادرة على المساهمة في حفظ الأمن الطاقوي العالمي وفقًا للمعايير الدولية التي تعتمد على الاستدامة والنظافة.
من خلال استغلال هذه الإمكانيات، تستطيع الجزائر تعزيز رؤيتها الاستراتيجية لتقوية موقعها الإقليمي والدولي وجعلها مصدرًا أساسيًا للأمن الطاقوي العالمي.
الأيام نيوز: كيف يمكن للطاقة النظيفة أن تؤثر على علاقات الجزائر الدولية، خاصة مع أوروبا؟
الدكتور علي بقشيش: توجه الجزائر نحو الطاقات النظيفة يمنحها فرصة كبيرة لتعزيز مكانتها مع الشركاء الأوروبيين. أوروبا تبحث عن شريك يتمتع بالمصداقية، وهو ما تمتلكه الجزائر بفضل استقرارها السياسي الكبير.
إضافة إلى ذلك، قرب الجزائر من أوروبا يقلل من التكلفة الاقتصادية لنقل الطاقة المتجددة. مع تراجع مصادر الطاقة التقليدية والأزمات الأخيرة مثل الحرب الروسية الأوكرانية، تصبح الجزائر شريكًا أساسيًا في تأمين الطاقة الأوروبية.
الأيام نيوز: كيف يمكن للجزائر استغلال مشاريع الطاقة النظيفة لتعزيز دورها في المبادرات الدولية؟
الدكتور علي بقشيش: الأمن الطاقوي العالمي أصبح هاجسًا كبيرًا نتيجة للأضرار البيئية الناتجة عن الطاقة التقليدية. الجزائر تشارك بفعالية في المبادرات الدولية التي تدعو إلى تعزيز استخدام الطاقات المتجددة.
كما أن البرامج الحكومية تسعى إلى استغلال الإمكانيات الهائلة التي تمتلكها الجزائر، بالإضافة إلى جذب شركاء أجانب للتعاون في هذا المجال، مما يجعلها مصدرًا رئيسيًا لتزويد الدول الأوروبية بالطاقة المستدامة.
الأيام نيوز: ما هي التحديات التي قد تواجه الجزائر في هذا التحول؟
الدكتور علي بقشيش: من أبرز التحديات هو الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة والبنية التحتية اللازمة لإنتاج الطاقة النظيفة بكفاءة. كما أن الجزائر بحاجة إلى تعزيز الوعي المحلي بأهمية الطاقات المتجددة وضرورة تكاتف الجهود على جميع المستويات لتحقيق هذا التحول.
الأيام نيوز: كيف يمكن لدبلوماسية الطاقة النظيفة أن تعزز من موقع الجزائر في العلاقات الدولية؟
الدكتور علي بقشيش: استغلال دبلوماسية الطاقة النظيفة يمنح الجزائر فرصة لاستقطاب القوى العظمى والدول الصناعية الكبرى التي تحتاج إلى مصادر طاقة مستدامة.
هذا يعزز من مكانتها الدولية ويخدم استراتيجيتها على مستوى العلاقات الدولية، خصوصًا أن الجزائر تتمتع بموقع استراتيجي، مساحة كبيرة، واستقرار سياسي.
الأيام نيوز: كيف يمكن للجزائر تحقيق التوازن بين دمج الاقتصاد الوطني في الاقتصاد العالمي والحفاظ على استقلالية قرارها السياسي؟
الدكتور علي بقشيش: توجّه الجزائر الحالي يهدف إلى دمج الاقتصاد الوطني في الاقتصاد العالمي من خلال فتح المجال أمام الشراكة الأجنبية والاستثمار المباشر، مع الحفاظ على سيادتها في اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
هذا التوازن يمنح الجزائر فرصة لتصبح قطبًا اقتصاديًا في ميدان الطاقات المتجددة دون التضحية بمبادئها.
الأيام نيوز: كيف يمكن استغلال موقع الجزائر الاستراتيجي في تعزيز دورها الطاقوي؟
الدكتور علي بقشيش: موقع الجزائر القريب من أوروبا، بالإضافة إلى الإمكانيات الطبيعية التي تمتلكها، يجعلها في موقع مثالي لتزويد الدول الأوروبية بالطاقة المتجددة بتكلفة منخفضة.
هذا يعزز من قدرتها على احتلال أدوار رئيسة على مستوى العلاقات الدولية واتخاذ قرارات تخص المنطقة.
الأيام نيوز: ما هي الرؤى التي تراها مناسبة لتعزيز دور الجزائر في دبلوماسية الطاقة؟
الدكتور علي بقشيش: على الجزائر أن تواصل الاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا اللازمة لإنتاج الطاقة النظيفة. كما يجب أن تعمل على بناء شراكات استراتيجية مع الدول الكبرى لتعزيز مكانتها في السوق الدولية للطاقة.
بالإضافة إلى ذلك، الاستمرار في توظيف دبلوماسية الطاقة لتكون أداة لتعزيز موقعها الدولي سيكون له أثر كبير على المدى الطويل.



Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire